بكت جولدا مائير على مصير هبة التي وصفتها أنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل"
وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها. .
كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الامريكي.
لقد تنبه السادات فجأة الى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فوراً،
ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التي باعت مصر ليس من أجل المال أو العقيدة. .
إنما الوهم الذي سيطر على عقلها وصور لها بأن إسرائيل دولة عظمى لن يقهرها العرب.
آمنت هبة بكل هذه الخرافات، ولم يستطع والدها – وكيل الوزارة بالتربية والتعليم – أن يمحو أوهامها
ولأنها تعيش في حي المهندسين وتحمل عضوية في نادي "الجزيرة"–
فقد اندمجت في وسط شبابي لا تثقل عقله سوى أحاديث الموضة والمغامرات
وعندما حصلت على الثانوية العامة ألحت على والدها للسفر الى باريس لإكمال تعليمها الجامعي،
وأمام ضغوط الفتاة الجميلة وافق الأب وهو يلعن هذا الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه
ولأنها درست الفرنسية منذ طفولتها فقد كان من السهل عليها أيضاً أن تتأقلم بسرعة مع هذا الخليط العجيب من البشر.
إنها الحرية بمعناها الحقيقي، الحرية في القول والتعبير .
جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها،
وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود الذي تعجب لكونها مصرية جريئة
لقد أعلنت صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة.
وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل،
وأسلوب الحياة في "الكيبوتز" وأخذت تصف لها كيف أنهم ليسوا وحوشاً آدمية كما يصورهم الإعلام العربي،
بل هم أناس على درجة عالية من التحضر والديموقراطية.
وعلى مدار لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي. .
استطاعت هبة أن تستخلص عدة نتائج كحقائق ثابتة. أهم هذه النتائج أن إسرائيل قوية جداً وأقوى من كل العرب.
وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام بالسلاح الشرقي.. ففي ذلك هزيمة لها.
آمنت هبة أيضاً بأن العرب يتكلمون أكثر مما يعملون. وقادتها هذه النتائج الى حقد دفين على العرب
وثقت هبة أيضاً في أحاديث ضابط الموساد الذي التقت به في شقة صديقتها. .
وأوهمها باستحالة أن ينتصر العرب على إسرائيل وهم على خلاف دائم وتمزق خطير،
في حين تلقى إسرائيل الدعم اللازم في جميع المجالات من أوروبا وأمريكا.
كانت هذه الأفكار والمعتقدات التي اقتنعت بها الفتاة سبباً رئيسياً لتجنيدها للعمل لصالح الموساد ..
دون إغراءات مادية أو عاطفية أثرت فيها، مع ثقة أكيدة في قدرة إسرائيل على حماية "أصدقائها"
هكذا عاشت الفتاة أحلام الوهم والبطولة، وأرادت أن تقدم خدماتها لإسرائيل طواعية ولكن.. كيف؟
فقط تذكرت فجأة المقدم فاروق الفقي الذي كان يطاردها في نادي الجزيرة، .وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها
وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية
وفي أول أجازة لها بمصر. . كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيده ، وكان الثمن خطبتها له.
وفرح الضابط العاشق بعروسه وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية. .
وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. .
فكان يتباهى أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.
أرسلت هبة سليم على الفور بعدة خطابات الى باريس بما لديها من معلومات ولما تبينت إسرائيل خطورة وصحة ما تبلغه هذه الفتاة لهم..
اهتموا بها اهتماماً فوق الوصف. وبدأوا في توجيهها الى الأهم في تسليح ومواقع القوات المسلحة. .
وبالذات قواعد الصواريخ والخطط المستقبلية لإقامتها،
وسافرت هبة الى باريس مرة ثانية تحمل بحقيبتها عدة صفحات. .
دونت بها معلومات غاية في السرية والأهمية للدرجة التي حيرت المخابرات الاسرائيلية.
فماذا سيقدمون مكافأة للفتاة الصديقة؟
سؤال كانت إجابته عشرة آلاف فرنك فرنسي حملها ضابط الموساد الى الفتاة ..
مع وعد بمبالغ أكبر وهدايا ثمينة وحياة رغدة في باريس.
رفضت هبة النقود بشدة وقبلت فقط السفر الى القاهرة على نفقة الموساد بعد ثلاثة أشهر من إقامتها بباريس
لم يكن المقدم فاروق الفقي بحاجة الى التفكير في التراجع، إذ أن الحبيبة الرائعة هبة كانت تعشش بقلبه وتستحوذ على عقله..
ولم يعد يملك عقلاً ليفكر، بل يملك طاعة عمياء.وعندما أخذها في سيارته الفيات 124 الى صحراء الهرم..
كان خجولاً ويتبعها أينما سارت. . وسقط ضابط الجيش المصري في بئر الخيانة ،
ليصير في النهاية عميلاً للموساد تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية..
موضحاً عليها منصات الصواريخ "سام 6" المضادة للطائرات. .
التي كانت القوات المسلحة تسعى ليلى نهار لنصبها لحماية مصر من غارات العمق الاسرائيلية.
لقد تلاحظ للقيادة العامة للقوات المسلحة ولجهازي المخابرات العامة والحربية،
أن مواقع الصواريخ الجديد تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي. حتى قبل أن يجف الأسمنت المسلح بها،
وحودث خسائر جسيمة في الأرواح، وتعطيل في تقدم العمل وإنجاز الخطة التي وضعت لإقامة حائط الصواريخ المضادة للطائرات.
تزامنت الأحداث مع وصول معلومات لرجال المخابرات المصرية. . بوجود عميل "عسكري" قام بتسريب معلومات سرية جداً الى إسرائيل.
وبدأ شك مجنون في كل شخص ذي أهمية في القوات المسلحة، وفي مثل هذه الحالات لا يستثنى أحد بالمرة بدءاً من وزير الدفاع.
"اتسعت دائرة الرقابة التليفزيونية والبريدية لتشمل دولاً كثيرة أخرى، مع رفع نسبة المراجعة والرقابة الى مائة في المائة من الخطابات وغيرها،
كل ذلك لمحاولة كشف الكيفية التي تصل بها هذه المعلومات الى الخارج.
كما بدأت رقابة قوية وصارمة على حياة وتصرفات كل من تتداول أيديهم هذه المعلومات من القادة،
وكانت رقابة لصيقة وكاملة. وقد تبينت طهارتهم ونقاءهم.
ثم أدخل موظفو مكاتبهم في دائرة الرقابة. . ومساعدوهم ومديرو مكاتبهم .. وكل من يحيط بهم مهما صغرت أو كبرت رتبته".
وفي تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض في باريس. وعرفت الخمر والتدخين وعاشت الحياة الاوروبية بكل تفاصيلها..
لقد نزفت عروبتها نزفاً من شرايين حياتها، و تهللت بشراً عندما عرض عليها ضابط الموساد زيارة إسرائيل،
فلم تكن لتصدق أبداً أنها مهمة الى هذه الدرجة،
ووصفت هي بنفسها تلك الرحلة قائلة: "طائرتان حربيتان رافقتا طائرتي كحارس شرف وتحية لي.
وهذه إجراءات تكريمية لا تقدم أبداً إلا لرؤساء وملوك الدول الزائرين
في مطار تل أبيب كان ينتظرني عدد من الضباط اصطفوا بجوار سيارة ليموزين سوداء تقف أسفل جناح الطائرة،
وعندما أدوا التحية العسكرية لي تملكني شعور قوي بالزهو.
واستقبلني بمكتبه مائير عاميت رئيس جهاز الموساد ،
وأقام لي حفل استقبال ضخماً ضم نخبة من كبار ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري الأسطورة (2)،
وعندما عرضوا تلبية كل "أوامري". . طلبت مقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء التي هزمت العرب ومرغت كرامتهم،
ووجدت على مدخل مكتبها صفاً من عشرة جنرالات إسرائيليين أدوا لي التحية العسكرية. .
وقابلتني مسز مائير ببشاشة ورقة وقدمتني اليهم قائلة: "إن هذه الآنسة قدمت لإسرائيل خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعاً مجتمعين".
وبعد عدة أيام عدت الى باريس. . وكنت لا أصدق أن هذه الجنة "إسرائيل" يتربص بها العرب ليدمروها!!