بسم الله الرحمن الرحيم
أعلنت حكومة حزب العدالة والتنمية بتركيا عزمها إلغاء مادة دستورية تمنع الأطفال أقل من 12 عاما من تعلم القرآن الكريم في الحلقات التي تعقدها المساجد في شهور الصيف، وهو ما يثلج صدور أولياء الأمور الذين ضجّوا من رفع الشكاوى والمطالب إلى الحكومات العلمانية السابقة لإلغاء هذا القيد دون جدوى.
ونقلت صحيفة "زمان" التركية هذا الأسبوع عن وزير العمل والأمن الاجتماعي، فاروق تشاليك، قوله مبررا هذا القرار: "إننا نرى أن تحديد عمر معين للأطفال لبدء تلقي دروس القرآن أمر غير عادل".
وطبقا للدستور التركي الذي وضعه الجيش (حامي حمى العلمانية في تركيا) عام 1981، فإنه ممنوع على أولياء الأمور إرسال أطفالهم أقل من 12 عاما إلى المساجد لتعلم القرآن، كما تحظر المادة 24 منه التعليم الديني بشكل عام في المدارس على التلاميذ في سنوات مرحلة التعليم الابتدائية الإلزامية التي تستغرق 8 سنوات، فيما مسموح به في المرحلة الثانوية من خلال ما يسمى بمدارس الأئمة والخطباء فقط.
وأضاف تشاليك أن "القانون الحالي يشترط أن يكون الطفل أتم سنواته الدراسية الأساسية قبل تلقي أي تعليم ديني.. ولكننا نعتقد أن الأطفال خلال هذه المرحلة الدراسية من حقهم تلقي الدروس الدينية في المساجد إن رغبوا".
وبحسب ما ورد في المادة الجديدة التي أعدتها حكومة حزب العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية فإنها تشترط فقط موافقة الآباء على تلقي أولادهم الدروس الدينية في المساجد دون تحديد لسن الطفل.
محفظون "مجرمون"
ومنذ سنوات طويلة وأولياء الأمور يطالبون بإزالة الموانع الواردة في الدستور من طريق أطفالهم؛ لأنه معروف أن القرآن الكريم يجب أن يتم تعلمه للأطفال في سن مبكرة؛ حيث الذهن والقلب أصفى والذاكرة أوعى في الاستيعاب والحفظ، كذلك من المعروف أن معظم حفظة القرآن الكريم بدءوا عملية الحفظ في سنواتهم المبكرة.
كما يجد الآباء فائدة أخرى من ثمار تردد أبنائهم على المساجد في عمر مبكر وهي أن انخراط الأطفال في حلقات تعليم وتحفيظ القرآن يشغل أوقات فراغهم فيما يفيد، وينمي قدراتهم الاجتماعية بالاحتكاك بأقرنائهم في أجواء نظيفة وأخلاقية.
وبسبب الرفض المتكرر من الحكومات العلمانية السابقة كانت الأسر تلجأ إلى استقدام معلمين إلى المنازل، بشكل سري، لتعليم الأطفال القرآن في سنواتهم الأولى، وشهدت المحاكم التركية محاكمة العديد من المعلمين الذين تكشف أمر انخراطهم في هذا النشاط؛ لأنه طبقا لأحكام المحكمة الدستورية العليا فإن معلمو القرآن يوصفون بأنهم "مجرمون".
كما يعد فتح مؤسسات لتعليم القرآن الكريم خارج سيطرة الدولة نشاطا غير شرعي يستحق عليه صاحبه السجن بمبرر أن فتح الباب أمام القطاع الخاص لفتح مثل هذه المدارس "يعطي الفرصة للجماعات الإرهابية لتعليم الشباب التركي الفكر المتطرف"، بحسب ما ورد في بيان رئاسي أصدره الرئيس السابق، نجدت سيزار، مبررا به رفضه اقتراح حكومة حزب العدالة والتنمية عام 2005 بتخفيض الحد الأقصى لعقوبة سجن هذه الفئة من عامين إلى عام واحد.
أما مصدر التعليم الديني الرسمي الوحيد في تركيا حاليا فهو مدارس الأئمة والخطباء، وهي مدارس ثانوية دينية وافقت الدولة العلمانية على افتتاحها تحت ضغط من الشعب عام 1924، بعد أن أصدر مؤسس الدول العلمانية التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، قرارًا بإغلاق جميع المدارس الدينية، الرسمية والخاصة، التي كانت رائجة في عهد الدولة العثمانية، ضمن سلسلة قرارات محت الطابع الإسلامي من الحياة العامة بسرعة غير متوقعة من دولة الخلافة.
وتتبع هذه المدارس مديرية التعليم الديني، وتقدم العلوم الدينية بجانب المناهج التي تدرسها المدارس الحكومية التركية، ومنتشرة في معظم أرجاء تركيا، ومهمتها الأساسية تخريج الأئمة والخطباء للمساجد، كما يلتحق بعض طلابها بالجامعات.
وحتى وقت قريب كان دخول الجامعة مقصورا على كليات علوم الإلهيات، غير أن حكومة حزب العدالة والتنمية أدخلت سبتمبر الماضي تعديلا يسمح للطلاب بأن يختاروا التخصص الذي يريدونه في أي كلية بدءا من عام 2010.
وكثير من خريجي هذه المدارس هم حاليا أعضاء بارزون في حزب السعادة الإسلامي، وكذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا، ومن بينهم رئيسه، رجب طيب أردوغان، وكذلك رئيس الجمهوري الحالي، عبد الله جول.
ومنذ تولي أردوغان وحزبه رئاسة الحكومة عام 2002، ثم تولي جول رئاسة الدولة عام 2007 ( وهو أول رئيس للجمهورية العلمانية من حزب ذي جذور إسلامية منذ سقوط الدولة العثمانية عام 1923)، وسلسلة من القرارات تتوالى لتخفيف حدة العلمانية الموصوفة بالمتطرفة في تركيا، ومنها إصلاح النظام التعليمي فيما يخص التعليم الديني، وإصلاحات دستورية لتعديل النظام القضائي العلماني، وكذلك التقليل من صلاحيات الجيش العلماني في الحياة السياسية.
[فقط الاعضاء المسجلين هم من يمكنهم رؤية الروابط. اضغط هنا للتسجيل]