يطل علينا فصل الشتاء بحلته المشرقة وبألوانه الدافئة وأمطاره الساحرة, التي طالما انتظرناها في فصل الصيف, فيبعث في نفوسنا البهجة بروعة أجوائه و تصافح غيومه, فننطلق باحثين عن الدفء لأجسامنا بأزهى الألوان, ولأرواحنا بالابتهال والذكر.
هذه هي صورة الشتاء في عقول الكثيرين وذاكرتهم. إلا أن بعض الناس يمتلك صورة مختلفة للشتاء.. تحمل بعض الأبعاد النفسية.
فيسقط ما يجده في نفسه من حزن وتعكر في المزاج على أجواء الشتاء.. فيستشعر في تساقط المطر بكاء. وفي تلبد الغيوم الضيق والهم. ويتألم من الوحدة والوحشة في هدوء ليله بدلاً من استنشاق عبير الطمأنينة.
هذه المشاعر الكئيبة تشعر بها النساء أكثر من الرجال. ويُعرف ذلك بالاكتئاب الموسمي, والذي يظهر في الغالب في فصلي الشتاء والخريف.
فيشعر المكتئب باعتلال المزاج الذي يفرز الخلل في جسمه وأفكاره, ويؤثر على نظرته لنفسه ولما حوله من أشخاص و أحداث, بحيث يفقد اتزانه الجسدي والنفسي والعاطفي.
وقد تتطور المشكلة لديه لتصيبه في الشلل في كل جوانب حياته وعملة وعلاقاته الاجتماعية.
فالاكتئاب مرض منتشر في كل زمان ومكان, ولكن من الملاحظ أنه يظهر أو يزداد عند البعض في فصول معينة من السنة، كفصل الخريف والشتاء, ويعلل الطب ذلك لاختلال الساعة البيولوجية، واختلال التوافق النفسي الزمني, مع إدراك إيقاعات الليل والنهار.
حيث إن الشتاء تمتد فيه ساعات الليل على حساب ساعات النهار، مما يجعل الساعة البيولوجية المتمثلة في نظام الغدة الصنوبرية تختل. مما ينتج اختلالا في النظام الكيميائي للدماغ، فيعقبه شعورا بالكآبة واعتلال المزاج، وأعراضاً أخرى كالشعور بالكسل، وقلة النشاط مع نوبات من البكاء متكررة والرغبة في النوم لساعات طويلة، وذلك لحساسية البعض من وجود الضوء أو غيابه.
ومن أفضل ما يُمكن تقديمه للتخفيف من هذه المشكلة بأن نجعل الغرف التي يكثر الجلوس فيها تتمتع بإضاءة ساطعة, كما يمكن الحصول على المصابيح التي تحاكي ضوء النهار، والتي تستخدم في العلاج الضوئي للمصابين بالاكتئاب الموسمي وهي مصابيح تطلق شعاعاً يشبه شعاع الشمس بكامل ألوان الطيف؛ ليعطي انطباعاً حقيقياً بأن الوقت لازال نهاراً ومشمساً, وهذا ما يُميزه عن المصابيح العادية الأخرى.
بالإضافة إلى الاهتمام بممارسة الرياضة، وخاصة المشي في ساعات الإشراق وأوقات تجلي أشعة الشمس, مع الحرص على التفاعل الاجتماعي و هجر العزلة, وعدم الاستسلام للأفكار المحبطة وقهرها بممارسة الحياة بشكل طبيعي. فما هي إلا أيام وتتبدل الأحوال.
دمتم بصحة وعافية