₪₪₪الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة ₪₪₪
الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره...
فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن ان كان خلقا له وملكه سمي صبرا ..
وان كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا ..
وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب..
فالتصبر مبدأ الاصطبار ..
كما أن التكسب مقدمة الاكتساب فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطبارا..
وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر..
فإنها مفاعلة تستدعى وقوعها بين اثنين كالمشاتمة و المضاربة قال الله تعالى..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
فأمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه والمصابرة وهى حاله في الصبر مع خصمه ..
والمرابطة وهى الثبات واللزوم والاقامة على الصبر و المصابرة..
فقد يصبر العبد ولا يصابر وقد يصابر ولا يرابط وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى ..
وأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى وأن الفلاح موقوف عليها فقال
{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
ويتفاوت صبر الناس فيما بينهم ..
ولذلك كان صبر يوسف الصديق عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز
وصبره على ما ناله في ذلك من الحبس والمكروه أعظم من صبره على ما ناله
من اخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه وباعوه بيع العبد ..
وكذلك صبرالخليل عليه السلام والكليم وصبر نوح وصبر المسيح..
وكذلك صبر خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم عليهم الصلاة والسلام كان صبرا على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا سماهم الله أولى العزم..
وأمر رسوله أن يصبر صبرهم فقال
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}..
ونهى سبحانه أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر صبر أولى العزم فقال
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
حيث ضعفت عزيمته في الصبر لحكم ربه ..
₪₪₪وقفه مع ذا النون ₪₪₪
في قوله تعالى ..
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
لا يمكن أن يكون الفعل المنهى عنه هو (إِذْ نَادَى ) اذ يصير المعنىلا تكن مثله في ندائه ..؟!
وقد أثنى الله سبحانه عليه في هذا النداء فأخبر أنه نجاه به فقال
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
:: جواب ذلك ::
وانما ينهى عن التشبه به في السبب الذى أفضى به إلى هذه المناداة ..
وهى مغاضبته التى أفضت به إلى حبسه في بطن الحوت وشدة ذلك عليه
حتى نادى ربه وهو مكظوم والكظيم والكاظم الذى قد امتلأ غيظا وغضبا وهـما وحزنا وكظم عليه فلم يخرجه.
:: ويدل عليه قوله تعالى ::
{فاصبر لحكم ربك} ثم قال: {ولا تكن كصاحب الحوت} أى في ضعف صبره لحكم ربه فان الحالة التى نهى عنها هى ضد الحالة التى أمر بها.
₪₪₪ هل البلاء ينافي الصبر ..؟!! ₪₪₪
إظهار البلاء على غير وجه الشكوى لا ينافي الصبر..
قال الله تعالى في قصة أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} مع قوله {مسنى الضر} ..
:: فالشكوى نوعان ::
أحدهـما / الشكوى إلى الله فهذا لا ينافي الصبر
كما قال يعقوب {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} مع قوله {فصبر جميل} ..
وقال سيد الصابرين صلوات الله وسلامه عليه
"اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتى... الخ".
وقال موسى صلوات الله وسلامه عليه
"اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة الا بك".
وفي قوله تعالى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال كظم على حزن فلم يقل إلا خيرا..
والنوع الثانى / شكوى المبتلى بلسان الحال والمقال فهذه لا تجامع الصبر بل تضاده وتبطله فالفرق بين شكواه والشكوى اليه..
فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجزيل..
بل اعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر..
والله تعالى يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه ..
وقد ذم سبحانه من لم يتضرع اليه ولم يستكن له وقت البلاء كما قال تعالى:
{ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}
والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه..
بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع اليه وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به اليه..
وقيل لبعضهم كيف تشتكى اليه ما ليس يخفي عليه فقال ربى يرضى ذل العبد اليه.
واذا اردت معرفة صبر الرب تعالى وحلمه والفرق بينهما فتأمل قوله تعالى
[ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ]
فحلمه سبحانه ومغفرته يمنعان زوال السموات والارض وامساكهما أن تزولا هو الصبر فبحلمه صبر عن معالجة أعدائه.
إن ربنا لغفور رحيم ...
يجود على عبيده بالنوافل قبل السؤال ...
ويعطى سائله ومؤمله فوق ما تعلقت به منهم الآمال...
ويغفر لمن تاب اليه ولو بلغت ذنوبه عدد الآمواج والحصى والتراب والرمال..
لا يلقى وصاياه الا الصابرون ولا يفوز بعطاياه الا الشاكرون..
،
.
من كتاب / عدة الصابرين وذخيره الشاكرين
لابن القيم الجوزيه رحمه الله تعالى ..
/