مما يتميز به هذا الشهر الكريم ، مضاعفة الحسنات فيه ، ولذا تكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن، وعبادة الله وقيام الليل، والإحسان إلى الفقراء والمساكين ، فإنني أحب أن أذكر إخواني من رزقهم الله مالاً من الموسرين ، بأمرين :
الأمر الأول: أن يذكروا إخوانهم الفقراء المحتاجين ، وألا يأخذهم الشحّ أو الخوف من التغيرات الاقتصادية إلى ألا ينفقوا ، وأن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره ، وليعلموا أن الله هو الرزاق ، وليذكروا فضل الصدقة ، والآيات الواردة فيها كثيرة ، وكذا الأحاديث ، ولكن سأذكرهم الآن بحديث وحادثة :
أما الحديث : فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس : قال يزيد : فكان أبو مَرْثد لا يخطئه يوم إلا وتصدق فيه بشيء ولو كعكعة أو بصلة )) [1] .
أما الحادثة أو القصّة ، فاسمعوها واعجبوا !!
فقد وقع لأحد الصحابة مع زوجته : فهذه سعدى امرأة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه دخل عليها زوجها يوماً من الأيام ، فرأت منه ثقلاً أي عدم نشاط كحال المهموم فقالت : مالك ، لعله رابك منا شيء فنعتبك :
أي نطلب رضاك عن الإساءة – قال : لا ، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت ، ولكن اجتمع عندي مال ، ولا أدري كيف أصنع به ؟ قالت : وما يغمك منه ؟ ادع قومك فاقسمه بينهم : فقال : يا غلام ، علىّ بقومي – فسألت الخازن : كم قسم ؟ قال : أربعمائة ألف .[2]
فانظروا وتأمّلوا في هذه القصة :
* تاجر همه اجتماع المال عنده ، يبحث له عن مخرج يرضي ربه تعالى ، ليكون له ذخراً عند الله تعالى .
* وزوجة يا لها من زوجة لم تقل لزوجها : نحن أحوج إلى المال ، وأين مستقبلنا ومستقبل الأولاد ، بل أعانت زوجها على الخير والنفقة في سبيل الله .
* ثم هي أيضاً امرأة كريمة تحت صلة رحم زوجها، فقالت : ادع قومك ، فليست بحسودة ولا من يحصر فضل زوجها على أقاربها هي :فتأمَّلُوا هذه الأحاديث ، والحوادث لسلفنا الصالح .
الأمر الثاني : فهو أمر طالما شغل البال منذ سنين طويلة ، وخلاصته : أن كثيراً من الناس والأغنياء منهم خاصة لا ينفق إلا قليلاً في أثناء حياته ، ثم إذا دنا أجله وقربت وفاته كتب وصيته التي لا تنفذ إلا بعد موته وكتب فيها أنه يوصي بربع أو ثلث ماله في سبيل الله تعالى : والذي يحدث في الغالب :
* أن الأولاد وبقية الورثة لا يهمهم إلا إرثهم ، أما الوصية ، فإنهم يحرصون على التخلص منه بأية وسيلة ، بل ويضيقون بها ذرعاً ، وينتج عن ذلك أن كثيراً من الأوقاف والأموال الموصي بها تضيع لهذه الأسباب .
* أن هذه الأموال الموصي بها من أوقاف وغيرها ، لا تؤدي دورها الذي رجاه صاحب المال وجمعه وتعب عليه طول حياته ؛ لأنه غاب عنها ووكلها إلى غيره .
ودعوني أضرب مثالاً : أرجو أن يعيه إخواني التجار .
ما رأيك لو كان لك عدد من الأولاد الصغار وأنت كبير السن قد دنا أجلك ما تحب لهم ؟
هل يرضيك أن تتركهم أيتاماً بعد موتك ، حتى لو تركت لهم مالاً ؟
أم تحب أن يمدّ الله في عمرك وتعيش معهم عدداً من السنوات حتى تربيهم ويرتفعوا فلا يحتاجون بعدك إلى أحد ؟
إن الوقف والوصية شبيه بأولادك ، إن تركته بعد وفاتك صار يتيماً وضاع ، ولكن إن حددته في حياتك وأنت قوي قادر ، ثم أشرفت عليه ورتبت أموره المالية والإدارية نفع وعظم خيره بإذن الله تعالى ، لأنك سترعاه وتحافظ عليه كما تراعي أولادك الصغار ، ولتعلم أن هذا هو الذي كان يفعله كثير من السلف :
فهذا أبو طلحة الأنصاري لما نزل قوله تعالى : (( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) (آل عمران : 92) قال : يا رسول الله ! إن الله تعالى قال : (( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)) .
وإن أحب أموالي إليّ (بيروحا) بستان جميل في المدينة وإني جعلتها في سبيل الله .
وهكذا أوقفها في حياته وقصته في الصحيحين وغيرهما [3]
وهذا عمر رضي الله عنه لما جاءته سهامه من خيبر جعلها في سبيل الله تعالى فحبسها في الأقارب والفقراء والمساكين[4] .
وقد فعل ذلك عمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه عاش بعد ذلك سنين : وينبغي أن تعلم أخي التاجر المحسن أن هذه الطريقة التي بها تحدد أوقافك ووصاياك في حياتك فيها فوائد جمّة، منها :
* إشرافك المباشر عليها في حياتك حتى يعظم نفعها .
* أنه يمكن ترتيب الإدارة الجيدة التي تجعل مشروعك الخيري يمتد لسنين وربما لقرون طويلة ، ولك أجرها .