نسمـــات
03-11-2010, 08:55 PM
أكثر ما يؤلمني هو سذاجة الشعوب، و سطحيتها البالغة .. لا يؤلمني ظلم الحكام، أو استبدادهم، أو حتى خيانتهم .. إن الحاكم الظالم سرعان ما تستأصله الإرادة الحرة أو يرمي به الزمن إلى مزابل التاريخ ..
و إذا كان الناس يكرهون السجن و القتال، فأضعف الإيمان أن يناصروا المتصدرين للكفاح بالكلام الصادق، أو - على الأقل - أن يكفوا ألسنتهم عنهم و يتركونهم في كفاحهم حتى يظهر الله دينه على أيديهم ..
و العجب أن الناس مجتمعون على إنكار الحقيقة بشكل يطيش العقل، و يحبط القلب ..
هناك حقائق كنت أظنها بديهية بداهة مطلقة، أراها اليوم محل تشكيك، بل و إنكار مستمر ..
لو قال واحد يوما : إن حاصل جمع الثلاثة زائد واحد اثنان . و أجمع الناس على تصديقه و تبرير اكتشافه الخطير .. أليس هذا مشهدا يدعو للأسف ، و يقتل الصادقين حسرة ؟؟!!
هذا هو الحادث فعلا ..
لم يكد يمر عام على الخيانة المصرية في حق غزة و شعبها ، حتى نفاجأ بخيانة من نوع جديد ..
عام على التواطؤ المصري ضد شعب غزة ومقاومتها ، عام على القرار الذي أخذته وزيرة خارجية الكيان الصهيوني من القاهرة بدك غزة ومقاومتها .. عام على إغلاق معبر رفح لمنع دخول المساعدات العالمية إلى القطاع لإنقاذ أهلنا و إخواننا هناك ..
لم يكد يمر هذا العام على هذه الخيانة حتى نفاجأ بخيانة جديدة ، وعار جديد ..
لقد خلعت مصر برقع الحياء ، و تقوم الآن ببناء جدار فولازي بين غزة و مصر .. حتى يمنع عن شعب غزة المسكين كسرات خبز ، أو رشفات لبن كانت تهرب لهم عبر الأنفاق الضيقة ..
هذه هي الشهامة المصرية ، و المرجلة العربية ..
القصة تبدأ من اقتراح قدمته الحكومة الصهيونية على الإدارة الأمريكية ، اقتراح بناء جدار فولاذي بأعماق كبيرة بين مصر وقطاع غزة .. وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيبا أمريكيا .. و طلبت الولايات المتحدة من مصر تنفيذ المشروع مع الوعد بتمويله ..
و سرعان ما بدأت مصر في تنفيذ الاقتراح الصهيوني ..
الذي يغيظ هو أن الحكومة المصرية – ومن خلفها الأغبياء من الشعب المصري - تقول أن هذا الجدار لحماية حدود مصر ، و أنه جزء من الأمن القومي المصري ..
و أقول :
أين كان أمن مصر حينما قامت إسرائيل بقتل ستة جنود من حرس الحدود المصري منذ أعوام ، و لم تحرك مصر ساكنا ، بل دعت إسرائيل إلى الاعتذار عن الخطأ ، و قبلت الاعتذار منها بعد ذلك ؟؟
أين كان أمن مصر و هي تصدر الغاز لإسرائيل بثمن بخس ، مخالفة لقرار القضاء المصري ، و تخسر سنويا 30 مليا جنيه .. ؟!!
إن الجدار المصري هو عار على نظام مبارك .. و عار على شعب مصر الذي ترك الطاغية الخائن يتآمر مع الأعداء على إخوانه ..
إنه عار على شعب مصر أن يظل في هذا الانبطاح تاركا الخائن يعبث بتاريخ هذا البلد المجيد ، و يجعل كل العالم يشير إلينا باشمئزاز ..
الذي يغيظ أن هناك من الشعب من يريد تبرير ضعفه و سلبيته من خلال تبرير موقف النظام ، و القول : نحن أحرار ، و حدودنا نحميها بخاطرنا
و القول الصحيح ، أننا فعلا أحرار .. بدليل أن حدودنا نحميها باقتراحات الصهاينة و أموال الأمريكان .. أنعم بها حرية !!
إنني لا ألوم أي عربي يضرب المصريين بالجذم في أي دولة ..
إنني لا ألوم شعب الجزائر على ما فعلوه بالجماهير المصرية في السودان ..
إنني لا ألوم أي شعب في العالم على اذلاله للمصريين ..
نحن نستحق ذلك .
نستحق أن يبصق في وجوهنا لأننا نترك الطاغية يضيع تاريخ هذا الوطن العريق ..
نستحق كل سوء لأننا عاونا الظالم .. و تركناه يتبجح بظلمه ..
مصر مسئولة تاريخيا عن ضياع فلسطين :
هناك من هم أكثر سذاجة يقولون :
أنتم تحملون مصر أكثر من طاقتها .. لقد دفعت مصر طويلا من دماء أبنائها من أجل القضية الفلسطينية .. ألم تحارب مصر أربعة حروب راح فيها الرجال ، والنساء و الأبناء .. ؟!! كل هذا لأجل عيون فلسطين .. و ياليته طمر الجميل !!
كفانا تضحية من أجل فلسطين .. يجب أن نلتفت لأنفسنا .. كفانا فلسطين .. !!
و أقول :
هل حقا حاربت مصر أربعة حروب – في العصر الحديث - من أجل فلسطين ؟؟!!
هذه في الحقيقة كذبة تاريخية لم أر أبجح منها ..
و قد آن الأوان أن تسقط هذه الكذبة التي صدعونا بها ..
فالواقع هو العكس ..
فإن السبب في نكسة القضية الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني على فلسطين إلى وقتنا الحالي يعود بشكل كبير على مصر ..
و أعلم أن كثيرا من القراء سيقفون مشدوهين أمام هذه المفاجئة التاريخية .. وهم معذورون .. فلطالما تغنى الإعلام الرسمي العاجز بكذبة احتضان مصر للقضية الفلسطينية منذ مهدها ، و لطالما رفعت الأنظمة المصرية منذ نظام فاروق إلى الآن شعارات زائفة تدعي نصرة القضية الفلسطينية ..
و لكني أعتذر لقارئي إن كنت سأضطر – كارها – أن أكشف له العورات المخبوءة ، لعله يدرك أن على مصر دين كبير تجاه القضية الفلسطينية يجب أن توفيه ..
و لعله يدرك أن ذنب القضية الفلسطينية سيظل معلقا في رقبة مصر .. و لن يسقط هذا الذنب إلا الثأر و التصحيح ..
و لنحك القصة من أولها .. :
أولا : الاحتلال البريطاني
طبيعة الشعب المصري أنه مسالم لأي جهة تتولى زمام الحكم في بلده ، هذا ليس ادعاءا ، و إنما هي حقيقة يقرها التاريخ ، و أقرها القرآن الكريم حين قال جل وعلا حاكيا عن فرعون : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) ..
و هذه الحقيقة تفسر رضوخ الشعب المصري لحكم أسرة محمد علي المستبدة الطاغية ..
و تفسر أيضا بقاء الاحتلال البريطاني في مصر لمدة وصلت إلى 72 عاما .. و هي أطول مدة للاحتلال البريطاني في دولة عربية .. علما بأن مصر كانت أول دولة عربية احتلتها بريطانيا في العصر الحديث بعد عدة مناطق قبلية في الخليج العربي ليست ذات أهمية استراتيجية كبيرة مثل مصر ..
و بقاء هذا الاحتلال في مصر طيلة هذه المدة ، و عجز الشعب المصري – ذي الطبيعة الراضخة – عن طرده كان سببا في طمع هذا الاحتلال في العديد من الأقطار العربية الأخرى .. مثل العراق و السودان و الصومال ثم فلسطين بعد ذلك ..
و مع بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين ، و دخول ( اللنبي ) للقدس عام 1917 و إعلانه رسميا الانتداب البريطاني على فلسطين ، بدأت أزمة فلسطين .. و نشط التفكير اليهودي في أن يكون لهم وطن قومي في فلسطين .. و بالفعل ظل الانتداب البريطاني على فلسطين و هو يمهد لولادة هذا كيان صهيوني على أرض فلسطين .. و لم ينتهي هذا الانتداب إلا بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ..
أي أن طمع بريطانيا في فلسطين كان ناتجا عن ٌأنها لم تجد لها رادعا في مصر .. فطمعت في فلسطين و اغلب الدول العربية ..
ثانيا : حرب 1948 ..
لقد كانت هذه الحرب تمثيلية بكل المقاييس .. فقد كانت الجيوش العربية أساسا تحت قيادة إنجليزية ، و قد وضع خطة الحرب القائد البريطاني ( الجنرال جون جلوب .. )
يقول الدكتور راغب السرجاني عن حرب 48 :
|(لقد حرص الزعماء العرب في سنة 1948 على القيام بتمثيلية حرب ضد اليهود وكأنهم يحررون فلسطين، ولكنها كانت تمثيلية لتكريس الوجود الصهيوني في فلسطين، فقد كانت الجيوش العربية تحت زعامة إنجليزية ، وما حاربت الجيوش العربية إلا في المناطق التي قسمتها الأمم المتحدة للعرب في قرار التقسيم الظالم سنة 1947، ولم تدخل الأراضي المقسومة لليهود إلا مرة واحدة على سبيل الخطأ، وقام الجيش العراقي الذي أخطأ بدخول الأراضي المقسومة لليهود بالانسحاب فورًا منها بناءً على أوامر الجامعة العربية..
لقد كانت تمثيلية حقيرة بكل المقاييس!!
وصلت في حقارتها إلى أنهم قاموا باعتقال كل المجاهدين من مصر وسوريا والأردن، ووضعوهم في السجون بتهمة الجهاد في فلسطين ضد اليهود).
أما الجيش المصري في حرب 48 ، فقد كانت قيادته مترددة بين أن يدخل الجيش لفلسطين أو لا يدخل، و يقول القائد العسكري محمد فوزي أن التردد ظل موجودا حتى ما قبل 15 مايو بيوم واحد، حيث تقرر دخول الجيش ..
الخطة السيئة للجيش المصري في الحرب :
نتيجة لعدم خبرة الجيش المصري بالحروب ، حيث كان الجيش حتى قبيل الحرب العالمية الثانية خاصا بالمراسم و الحفلات فقط ، وذلك لأن الإنجليز كانوا يحكمون مصر ، و قد اقتصرت مهمته خلال الحرب العالمية على حماية الإنجليز فقط ..
أدى ذلك إلى أن كانت خطة الجيش المصري خلال حرب 48 خطة فاشلة من الناحية العملية ،
فقد كانت خطته تقوم على التقدم السريع ، للالتقاء بالجيش الأردني في النطرون .. وهذا التقدم السريع جعله يترك خلفه مستوطنات يهودية ، و يترك قوات ضعيفة لتقوم بتصفيتها، وهذا لم ينجح لأن القوات التي تركت لتصفية المستوطنات كانت قليلة جدا ، فكانت المعارك بين المستوطنين اليهود و القوات المصرية المتروكة في المستوطنات لصالح اليهود .. و هذا لعب دورا كبيرا في ضرب خطوط الجيش المصري وإمداداته ومواصلاته، وأصبح الجيش المصري في خطر وانسحب للعريش ..
الأسلحة الفاسدة :
لاشك أن قضية الأسلحة الفاسدة كانت من أهم أسباب هزيمة حرب 48 .. و هو ما أكده الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ..
و هذه القضية تعد نموذجا صارخا لمدى استشراء الفساد في المؤسسة العسكرية آنذاك .. فقد أكدت الوثائق البريطانية أن مسؤولية صفقات الأسلحة الفاسدة ملقاة علي مجموعة من كبار قيادات الجيش، ومن أبرزهم الفريق حيدر باشا، وزير الحربية ، والأدميرال أحمد ندر، رئيس أركان القوات البحرية وأحد أفراد الأسرة المالكة ..
وهذا يدل على أن قيادات الجيش المصري لم يكن لديها أدنى شعور بالمسئولية تجاه القضية الفلسطينية ..
و هذا يسقط الأكاذيب التي روجها الزعماء العرب عن الواجب المقدس ، و النخوة العربية آنذاك .
و هذا يصل بنا إلى حقيقة مفادها : أن مصر تقع على عاتقها مسئولية كبيرة في هزيمة حرب 1948 ، تلك الهزيمة التي كانت بمثابة شهادة ميلاد لدولة إسرائيل ..
فهلا تصحح مصر هذا الخطأ ، ، وتغسل عارها ، و تسقط هذا الذنب الكبير عن رقبتها .. !!
ثالثا : حروب مصر الثلاثة :
أما حروب مصر الثلاثة فيما دون حرب 1948 فإنها كلها كانت دفاعا عن أرض مصر ، و لم تكن للقضية الفلسطينية فيها أي نصيب ، و لم يكن في بال الجندي الذي يحارب فيها أي نية لنصرة فلسطين ..
فحرب 56 كانت للدفاع عن مصر ضد العدوان الثلاثي ، الذي جاء برغبة في كسر مصر بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس ..
و إذا كان الناس يكرهون السجن و القتال، فأضعف الإيمان أن يناصروا المتصدرين للكفاح بالكلام الصادق، أو - على الأقل - أن يكفوا ألسنتهم عنهم و يتركونهم في كفاحهم حتى يظهر الله دينه على أيديهم ..
و العجب أن الناس مجتمعون على إنكار الحقيقة بشكل يطيش العقل، و يحبط القلب ..
هناك حقائق كنت أظنها بديهية بداهة مطلقة، أراها اليوم محل تشكيك، بل و إنكار مستمر ..
لو قال واحد يوما : إن حاصل جمع الثلاثة زائد واحد اثنان . و أجمع الناس على تصديقه و تبرير اكتشافه الخطير .. أليس هذا مشهدا يدعو للأسف ، و يقتل الصادقين حسرة ؟؟!!
هذا هو الحادث فعلا ..
لم يكد يمر عام على الخيانة المصرية في حق غزة و شعبها ، حتى نفاجأ بخيانة من نوع جديد ..
عام على التواطؤ المصري ضد شعب غزة ومقاومتها ، عام على القرار الذي أخذته وزيرة خارجية الكيان الصهيوني من القاهرة بدك غزة ومقاومتها .. عام على إغلاق معبر رفح لمنع دخول المساعدات العالمية إلى القطاع لإنقاذ أهلنا و إخواننا هناك ..
لم يكد يمر هذا العام على هذه الخيانة حتى نفاجأ بخيانة جديدة ، وعار جديد ..
لقد خلعت مصر برقع الحياء ، و تقوم الآن ببناء جدار فولازي بين غزة و مصر .. حتى يمنع عن شعب غزة المسكين كسرات خبز ، أو رشفات لبن كانت تهرب لهم عبر الأنفاق الضيقة ..
هذه هي الشهامة المصرية ، و المرجلة العربية ..
القصة تبدأ من اقتراح قدمته الحكومة الصهيونية على الإدارة الأمريكية ، اقتراح بناء جدار فولاذي بأعماق كبيرة بين مصر وقطاع غزة .. وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيبا أمريكيا .. و طلبت الولايات المتحدة من مصر تنفيذ المشروع مع الوعد بتمويله ..
و سرعان ما بدأت مصر في تنفيذ الاقتراح الصهيوني ..
الذي يغيظ هو أن الحكومة المصرية – ومن خلفها الأغبياء من الشعب المصري - تقول أن هذا الجدار لحماية حدود مصر ، و أنه جزء من الأمن القومي المصري ..
و أقول :
أين كان أمن مصر حينما قامت إسرائيل بقتل ستة جنود من حرس الحدود المصري منذ أعوام ، و لم تحرك مصر ساكنا ، بل دعت إسرائيل إلى الاعتذار عن الخطأ ، و قبلت الاعتذار منها بعد ذلك ؟؟
أين كان أمن مصر و هي تصدر الغاز لإسرائيل بثمن بخس ، مخالفة لقرار القضاء المصري ، و تخسر سنويا 30 مليا جنيه .. ؟!!
إن الجدار المصري هو عار على نظام مبارك .. و عار على شعب مصر الذي ترك الطاغية الخائن يتآمر مع الأعداء على إخوانه ..
إنه عار على شعب مصر أن يظل في هذا الانبطاح تاركا الخائن يعبث بتاريخ هذا البلد المجيد ، و يجعل كل العالم يشير إلينا باشمئزاز ..
الذي يغيظ أن هناك من الشعب من يريد تبرير ضعفه و سلبيته من خلال تبرير موقف النظام ، و القول : نحن أحرار ، و حدودنا نحميها بخاطرنا
و القول الصحيح ، أننا فعلا أحرار .. بدليل أن حدودنا نحميها باقتراحات الصهاينة و أموال الأمريكان .. أنعم بها حرية !!
إنني لا ألوم أي عربي يضرب المصريين بالجذم في أي دولة ..
إنني لا ألوم شعب الجزائر على ما فعلوه بالجماهير المصرية في السودان ..
إنني لا ألوم أي شعب في العالم على اذلاله للمصريين ..
نحن نستحق ذلك .
نستحق أن يبصق في وجوهنا لأننا نترك الطاغية يضيع تاريخ هذا الوطن العريق ..
نستحق كل سوء لأننا عاونا الظالم .. و تركناه يتبجح بظلمه ..
مصر مسئولة تاريخيا عن ضياع فلسطين :
هناك من هم أكثر سذاجة يقولون :
أنتم تحملون مصر أكثر من طاقتها .. لقد دفعت مصر طويلا من دماء أبنائها من أجل القضية الفلسطينية .. ألم تحارب مصر أربعة حروب راح فيها الرجال ، والنساء و الأبناء .. ؟!! كل هذا لأجل عيون فلسطين .. و ياليته طمر الجميل !!
كفانا تضحية من أجل فلسطين .. يجب أن نلتفت لأنفسنا .. كفانا فلسطين .. !!
و أقول :
هل حقا حاربت مصر أربعة حروب – في العصر الحديث - من أجل فلسطين ؟؟!!
هذه في الحقيقة كذبة تاريخية لم أر أبجح منها ..
و قد آن الأوان أن تسقط هذه الكذبة التي صدعونا بها ..
فالواقع هو العكس ..
فإن السبب في نكسة القضية الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني على فلسطين إلى وقتنا الحالي يعود بشكل كبير على مصر ..
و أعلم أن كثيرا من القراء سيقفون مشدوهين أمام هذه المفاجئة التاريخية .. وهم معذورون .. فلطالما تغنى الإعلام الرسمي العاجز بكذبة احتضان مصر للقضية الفلسطينية منذ مهدها ، و لطالما رفعت الأنظمة المصرية منذ نظام فاروق إلى الآن شعارات زائفة تدعي نصرة القضية الفلسطينية ..
و لكني أعتذر لقارئي إن كنت سأضطر – كارها – أن أكشف له العورات المخبوءة ، لعله يدرك أن على مصر دين كبير تجاه القضية الفلسطينية يجب أن توفيه ..
و لعله يدرك أن ذنب القضية الفلسطينية سيظل معلقا في رقبة مصر .. و لن يسقط هذا الذنب إلا الثأر و التصحيح ..
و لنحك القصة من أولها .. :
أولا : الاحتلال البريطاني
طبيعة الشعب المصري أنه مسالم لأي جهة تتولى زمام الحكم في بلده ، هذا ليس ادعاءا ، و إنما هي حقيقة يقرها التاريخ ، و أقرها القرآن الكريم حين قال جل وعلا حاكيا عن فرعون : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) ..
و هذه الحقيقة تفسر رضوخ الشعب المصري لحكم أسرة محمد علي المستبدة الطاغية ..
و تفسر أيضا بقاء الاحتلال البريطاني في مصر لمدة وصلت إلى 72 عاما .. و هي أطول مدة للاحتلال البريطاني في دولة عربية .. علما بأن مصر كانت أول دولة عربية احتلتها بريطانيا في العصر الحديث بعد عدة مناطق قبلية في الخليج العربي ليست ذات أهمية استراتيجية كبيرة مثل مصر ..
و بقاء هذا الاحتلال في مصر طيلة هذه المدة ، و عجز الشعب المصري – ذي الطبيعة الراضخة – عن طرده كان سببا في طمع هذا الاحتلال في العديد من الأقطار العربية الأخرى .. مثل العراق و السودان و الصومال ثم فلسطين بعد ذلك ..
و مع بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين ، و دخول ( اللنبي ) للقدس عام 1917 و إعلانه رسميا الانتداب البريطاني على فلسطين ، بدأت أزمة فلسطين .. و نشط التفكير اليهودي في أن يكون لهم وطن قومي في فلسطين .. و بالفعل ظل الانتداب البريطاني على فلسطين و هو يمهد لولادة هذا كيان صهيوني على أرض فلسطين .. و لم ينتهي هذا الانتداب إلا بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ..
أي أن طمع بريطانيا في فلسطين كان ناتجا عن ٌأنها لم تجد لها رادعا في مصر .. فطمعت في فلسطين و اغلب الدول العربية ..
ثانيا : حرب 1948 ..
لقد كانت هذه الحرب تمثيلية بكل المقاييس .. فقد كانت الجيوش العربية أساسا تحت قيادة إنجليزية ، و قد وضع خطة الحرب القائد البريطاني ( الجنرال جون جلوب .. )
يقول الدكتور راغب السرجاني عن حرب 48 :
|(لقد حرص الزعماء العرب في سنة 1948 على القيام بتمثيلية حرب ضد اليهود وكأنهم يحررون فلسطين، ولكنها كانت تمثيلية لتكريس الوجود الصهيوني في فلسطين، فقد كانت الجيوش العربية تحت زعامة إنجليزية ، وما حاربت الجيوش العربية إلا في المناطق التي قسمتها الأمم المتحدة للعرب في قرار التقسيم الظالم سنة 1947، ولم تدخل الأراضي المقسومة لليهود إلا مرة واحدة على سبيل الخطأ، وقام الجيش العراقي الذي أخطأ بدخول الأراضي المقسومة لليهود بالانسحاب فورًا منها بناءً على أوامر الجامعة العربية..
لقد كانت تمثيلية حقيرة بكل المقاييس!!
وصلت في حقارتها إلى أنهم قاموا باعتقال كل المجاهدين من مصر وسوريا والأردن، ووضعوهم في السجون بتهمة الجهاد في فلسطين ضد اليهود).
أما الجيش المصري في حرب 48 ، فقد كانت قيادته مترددة بين أن يدخل الجيش لفلسطين أو لا يدخل، و يقول القائد العسكري محمد فوزي أن التردد ظل موجودا حتى ما قبل 15 مايو بيوم واحد، حيث تقرر دخول الجيش ..
الخطة السيئة للجيش المصري في الحرب :
نتيجة لعدم خبرة الجيش المصري بالحروب ، حيث كان الجيش حتى قبيل الحرب العالمية الثانية خاصا بالمراسم و الحفلات فقط ، وذلك لأن الإنجليز كانوا يحكمون مصر ، و قد اقتصرت مهمته خلال الحرب العالمية على حماية الإنجليز فقط ..
أدى ذلك إلى أن كانت خطة الجيش المصري خلال حرب 48 خطة فاشلة من الناحية العملية ،
فقد كانت خطته تقوم على التقدم السريع ، للالتقاء بالجيش الأردني في النطرون .. وهذا التقدم السريع جعله يترك خلفه مستوطنات يهودية ، و يترك قوات ضعيفة لتقوم بتصفيتها، وهذا لم ينجح لأن القوات التي تركت لتصفية المستوطنات كانت قليلة جدا ، فكانت المعارك بين المستوطنين اليهود و القوات المصرية المتروكة في المستوطنات لصالح اليهود .. و هذا لعب دورا كبيرا في ضرب خطوط الجيش المصري وإمداداته ومواصلاته، وأصبح الجيش المصري في خطر وانسحب للعريش ..
الأسلحة الفاسدة :
لاشك أن قضية الأسلحة الفاسدة كانت من أهم أسباب هزيمة حرب 48 .. و هو ما أكده الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ..
و هذه القضية تعد نموذجا صارخا لمدى استشراء الفساد في المؤسسة العسكرية آنذاك .. فقد أكدت الوثائق البريطانية أن مسؤولية صفقات الأسلحة الفاسدة ملقاة علي مجموعة من كبار قيادات الجيش، ومن أبرزهم الفريق حيدر باشا، وزير الحربية ، والأدميرال أحمد ندر، رئيس أركان القوات البحرية وأحد أفراد الأسرة المالكة ..
وهذا يدل على أن قيادات الجيش المصري لم يكن لديها أدنى شعور بالمسئولية تجاه القضية الفلسطينية ..
و هذا يسقط الأكاذيب التي روجها الزعماء العرب عن الواجب المقدس ، و النخوة العربية آنذاك .
و هذا يصل بنا إلى حقيقة مفادها : أن مصر تقع على عاتقها مسئولية كبيرة في هزيمة حرب 1948 ، تلك الهزيمة التي كانت بمثابة شهادة ميلاد لدولة إسرائيل ..
فهلا تصحح مصر هذا الخطأ ، ، وتغسل عارها ، و تسقط هذا الذنب الكبير عن رقبتها .. !!
ثالثا : حروب مصر الثلاثة :
أما حروب مصر الثلاثة فيما دون حرب 1948 فإنها كلها كانت دفاعا عن أرض مصر ، و لم تكن للقضية الفلسطينية فيها أي نصيب ، و لم يكن في بال الجندي الذي يحارب فيها أي نية لنصرة فلسطين ..
فحرب 56 كانت للدفاع عن مصر ضد العدوان الثلاثي ، الذي جاء برغبة في كسر مصر بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس ..